الاجتهاد في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الاجتهاد في الإسلام

على علماء الأمة الإسلامية أن يفتحوا باب الاجتهاد لأصحاب المواهب فالإسلام أوسع وأرحب لمن يريد الاجتهاد ولا يضيقوا واسعاً احتكاراً أو غروراً أو حسداً من عند أنفسهم فلا قساوسة ولا كهنوت في الإسلام. فالله تعالى هو الوهاب لمن يشاء من عباده ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.

والكتاب والسنة مليئان بالأمثلة على ذلك فآدم عليه السلام علّمه الله تعالى الأسماء كلها ولم يُعلّمها لملائكته المقربين.

وعلّم الله تعالى العبد الصالح الخضر عليه السلام ما لم يُعلّمه لنبيه ورسوله موسى عليه السلام كما في سورة الكهف وهو من أولي العزم من الرسل.

وعلّم الذي عنده علم من الكتاب اسمه الأعظم (الذي أحضر به عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين لسيدنا سليمان عليه السلام قبل أن يرتد إليه طرفه) ولم يُعلّمه نبيه ورسوله سيدنا سليمان عليه السلام.

وقد أخذ صلى الله عليه وسلم بالرأي والمشورة وباجتهاد سيدنا سلمان الفارسي بحفر الخندق حول المدينة في غزوة الأحزاب.

وكذلك أخذ برأي الحباب بن المنذر في غزوة بدر عندما أمرهم صلى الله عليه وسلم بالنزول بعيداً عن الماء فقال له الحباب بن المنذر: أرأيت هذا المنزل أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة). فقال الحباب بن المنذر: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل فامض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القُلُب [جمع قليب وهو البئر] ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فأخذ برأيه صلى الله عليه وسلم وقال له: (لقد أشرت بالرأي).

ولم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من اجتهد في صلاة الفريضة وزاد بعد الرفع من الركوع خلف النبي صلى الله عليه وسلم (ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) ولما انتهى صلى الله عليه وسلم من الصلاة سأل عن المتكلم بها فقال الرجل بعد توجس وخوف من قولها: أنا يا رسول الله. وفي رواية: قلتها ولم أرد بها إلا خيراً. فقال صلى الله عليه وسلم: (رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول). أي لما لها من الثواب والفضل وهي زيادة مشكورة لا منكورة.

وكذلك كان الاجتهاد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يُعد: (أصبت السنة وأجزأتك صلاتك) وقال للذي توضأ وأعاد: (لك الأجر مرتين). فلم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم اجتهادهما ولم يعنف أحداً منهما.

وكذلك حاله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة في حرب بني قريظة عندما قال لهم (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يُعنّف واحداً منهم كما في صحيح البخاري.

وهناك ما هو أدهى وأمر من ذلك وهو صلاة عمرو بن العاص بالمسلمين في صلاة الفجر جماعة وهو جنب وقد أخبر عن ذلك رضي الله عنه فقال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت أن الله يقول: " وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا " فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً.

وأقول لأولئك الذين يريدون احتكار الفتوى أليس الذي أفتى وعلّم فضل آية الكرسي وفائدتها لأبي هريرة رضي الله عنه أليس هو الشيطان بعينه وقال له صلى الله عليه وسلم: (صدقك وهو كذوب) أي أمره بأخذ فتوى الشيطان في الخير ولم يمنعه وهذا من سماحة الإسلام ويسره.

وأقول لهم أيضاً أليس الذي نشر الإسلام في ربوع افريقيا هم تجار المسلمين فلما رأى الناس صدقهم وأمانتهم وأخلاقهم دخلوا في الإسلام وهكذا انتشر الإسلام شرقاً وغرباً.

فيا أئمة العصر ويا علماء العصر لا تحتكروا العلم والفتوى والاجتهاد والرأي وتقفلوا باب الاجتهاد أمام المواهب والمبدعين.

" وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ " [آل عمران:145] فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى. " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " [العنكبوت:69].

ولا تنسوا قوله صلى الله عليه وسلم: (رب أشعث أغبر ذي طمرين [أي ثوبين قديمين باليين] لو أقسم على الله لأبره).

ولا تنسوا قوله صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا)

ولا تنسوا قوله تعالى: " وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ " [البقرة: 282].

 

 

 

 

وختامــاً

قال تعالى: " فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا " [الأنبياء:79].

وقال تعالى: " وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا " [طه:114].

صدق الله العظيم

 

أبو أحمد العبادلة

يوم الثلاثاء: 13/جمادى ثان/1434هـ - 23/4/2013م

الكاتبأبو أحمد العبادلة بتاريخ : Apr 23 2013 8:48AM

طباعة