يا شيوخ الإسلام وفقهه

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يا شيوخ الإسلام وفقهه

 

 

يا علماء ويا فقهاء ويا شيوخ اليوم والمستقبل على رسلكم رويداً رويداً لا تنفروا من الدين بعصبيتكم على الناس وعلى أنفسكم فعليكم أن توغلوا في الدين برفق وحسن الخلق والقول اللين والأدب في النصيحة والسر بها في بعض الأحيان فلا تؤلهوا أنفسكم ويسروا ولا تعسروا وفي الحديث: (وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ). فميزان العدل بيد الله تعالى وحده ودخول الجنة أو النار بيده وحده وهو أعلم بعباده وسرائرهم ونياتهم وأفعالهم وأعمالهم.

 

 

وهو تعالى {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا في الحديث: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً. ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ. فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ. فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ. وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ). وفي رواية: (بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى أَيِّ الْقَرْيَتَيْنِ كَانَ أَقْرَبَ فَأَلْحِقُوهُ بِأَهْلِهَا. فَقَرَّبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَرْيَةَ الصَّالِحَةَ وَبَاعَدَ مِنْهُ الْخَبِيثَةَ وَأَلْحَقُوهُ بِأَهْلِهَا).

 

 

وها هو صلى الله عليه وسلم يُنَبهنا ويحذرنا في حديث آخر فيقول كما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ أَحَدُهُمَا مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ وَالْآخَرُ مُذْنِبٌ. فَأَبْصَرَ الْمُجْتَهِدُ الْمُذْنِبَ عَلَى ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُ: أَقْصِرْ. فَقَالَ لَهُ: خَلِّنِي وَرَبِّي. قَالَ: وَكَانَ يُعِيدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: خَلِّنِي وَرَبِّي حَتَّى وَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَاسْتَعْظَمَهُ فَقَالَ: وَيْحَكَ أَقْصِرْ. قَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟! فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَبَدًا. أَوْ قَالَ: لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَبَدًا. فَبُعِثَ إِلَيْهِمَا مَلَكٌ فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا فَاجْتَمَعَا عِنْدَهُ جَلَّ وَعَلَا فَقَالَ رَبُّنَا لِلْمُجْتَهِدِ: أَكُنْتَ عَالِمًا؟ أَمْ كُنْتَ قَادِرًا عَلَى مَا فِي يَدِي؟ أَمْ تَحْظُرُ رَحْمَتِي عَلَى عَبْدِي؟ اذْهَبْ إِلَى الْجَنَّةِ يُرِيدُ الْمُذْنِبَ. وَقَالَ لِلْآخَرِ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ). قال أبو هريرة رضي الله عنه: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ.

 

 

نعم أهلك دنياه وآخرته لأنه ألَّه نفسه ونصب نفسه مكان الله تعالى حاكماً وقاضياً وكأن مفتاح الجنة والنار بيده كما يفعل بعض الناس في زماننا. فهؤلاء ما قدروا الله حق قدره وما علموا أنه هو الحكم العدل وأنه هو الرحمن الرحيم وأنه هو الحليم ذو العفو والمغفرة لعباده على ظلمهم وأنه هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها ومن الدابة بوليدها.

 

 

والبعض يتمسك بالسنن ويتشدد فيها أشد من الفرائض فإذا رأى من يتركها تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه وترتعد مفاصله وينتصب كأنه أسد حروب أو نمر وثوب على ذلك الرجل المسكين كأنه شق عن قلبه وعرف أنه كافر ابن كافر أو مشرك ابن مشرك!! فهلا كان لهؤلاء في رسول الله أسوة حسنة عندما أراد أن يعلم أحد الأعراب السنن والنوافل بعد أن علمه الفرائض فقال الأعرابي مكتفياً بما علمه من فرائض: (وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ). فقال النبي صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة: (أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ). وصدق الله تعالى الذي وصف نبيه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقال في حقه أيضاً: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} صدق الله العظيم.

 

 

فيا فقهاء الإسلام ويا شيوخ الإسلام ويا نصحاء الإسلام ويا وعاظ الإسلام عليكم بالنصيحة الحسنة والقول اللين والرزين وحسن الخلق فلا تُكفروا الناس وهم لم يكفروا ولا تزكوا أنفسكم ومن لم يخطئ منكم فليرجم الناس بحجر وتأملوا في القرآن وانظروا إلى تعليم الله تعالى عندما أرسل نبيه موسى عليه السلام إلى فرعون الذي يدعي الألوهية ويقول للناس أنا ربكم الأعلى وهو أشد أنواع الشرك أمره تعالى بقوله: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} وتذكروا قوله تعالى في كتابه العزيز وقرآنه الكريم : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} وقوله تعالى للمسلمين عند مخاطبة الكافرين: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} صدق الله العظيم.

 

 

فهل أنتم أحق بهذه النصائح القرآنية أم باحمرار العين وانتفاخ الأوداج ورفع الصوت والعصبية المفرطة وتكفير الناس أو البطش بهم أو تخويفهم وإرهابهم أو الإفتاء بقتلهم وتكفيرهم أو الحكم عليهم بالخروج عن الملة وتحليل دمائهم؟! فهل شققتم عن قلوبهم وعرفتم نياتهم أو اطلعتم على الغيب وعلى اللوح المحفوظ وعلمتم أنهم كفار وحلال دماؤهم وأعراضهم وأموالهم؟!

 

 

ألم يقل سبحانه وتعالى لنبيه المرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} وقال له: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} صدق الله العظيم

 

 

فلا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق

 

 

اللهم بلغتُ اللهم فاشهد

 

 

 

 

 

أبو أحمد العبادلة

 

 

يوم السبت: 13/ربيع الآخر/1434هـ - 2013/2/23م

 

 

الكاتبأبو أحمد العبادلة بتاريخ : Feb 23 2013 9:23AM

طباعة