بسم الله الرحمن الرحيم
حول الغزل الصوفي – من هم الصوفية
في العدد الماضي نشرنا الجزء الأول من رد " أبو أحمد العبادلة " على
التعليقات التي وردت حول موضوعه " الغزل الصوفي " والذي نشر في عدد 5
أكتوبر 1984م ويواصل أبو أحمد رده على مقالة: " رد على مقالة الغزل الصوفي
" فيقول:
وأما قوله:
ويمضي الكاتب فيزعم أن الآية 28 من سورة الكهف فيها حث على مجالسة الصوفية
فأولاً نريد أن نعرف من هم الصوفية ثم نرى هل تطبق عليهم الآية الكريمة أم
لا.
فكما أوردت في مقالي الأول عن الصوفية وقلت ما نصه: ((وقد وصفهم الشبلي رضي
الله عنه فأجاد وصفهم حيث قال: [ الصوفي من لبس الصوف على الصفا وسلك طريق
المصطفى وكانت الدنيا عنده خلف القفا ])). تفسير ذلك: هم من صفت نفوسهم
وسرائرهم ، وسلكوا طريق المصطفى أي أخذوا بالكتاب والسنة ، وكانت الدنيا
عندهم خلف القفا أي عملوا للآخرة وما يقربهم إلى الله تعالى من طاعات
ونوافل وذِكر وهم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وهم الذين
يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم وهم الذين آمنوا وكانوا يتقون وهم
الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وهم العلماء العاملون وهم
المتقون وهم الذاكرون الله كثيراً والذاكرات أفلا تُطبق الآية عليهم بعد
وصفهم هذا؟!! وهي قوله تعالى: " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ
تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ
تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " [الكهف:28]. أما أنها نزلت في فقراء
المهاجرين مثل أبي هريرة وصهيب الرومي وغيرهم اللهم نعم ولكن القرآن الكريم
نزل منجماً حسب الأحداث ولكنه يطبق على المسلمين إلى يوم القيامة ألم يقل
سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: " قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ " فهل نجمدها أو نلغيها ولا نقرأها لأن سبب التنزيل أنها نزلت
على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم شخصياً؟!. وكذلك مثلها " قُلْ أَعُوذُ
بِرَبِّ الْفَلَقِ " وكذلك " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " لأن
سبب التنزيل نزولها على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليعوذ بهما نفسه
الشريفة؟!! أليس القرآن العظيم نزل منجماً حسب الأحداث ثم يطبق على
المسلمين وكل أحداث التنزيل إلى يوم القيامة وهو صالح لكل زمان ومكان إلى
يوم القيامة وكذلك أمثالهم " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ "
وقوله تعالى: " أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ
اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا
" 78 سورة الإسراء وكذلك " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى " فهل
نلغى هذه السور أو الآيات ونجمدها؟!! لأن سبب التنزيل كان في عصر النبي
محمد صلى الله عليه وسلم ما لكم كيف تحكمون؟! وهكذا تطبق الآية (28) من
سورة الكهف على الصوفية وعلى المسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أما قوله:
وكذلك الحديث المزعوم (من أراد أن يجلس مع الله فليجلس مع أهل التصوف)
والذي نسبه الكاتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فالتحذير من رسول
الله شديد في قوله عليه الصلاة والسلام: (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ
مقعده من النار).
هذا ما قاله حرفياً في تعليقه ونرد قائلين:
أولاً معنى هذا الحديث هو من أراد أن يجلس مع الله أي أن يكون الله معه
فليجلس مع أهل الذكر وهم أهل التصوف حتى يفكروه بذكر الله تعالى ليذكره
الله ويكون جليسه ويكون معه. وله شاهد من حديث البخاري: (وأنا معه إذا
ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته فيملأ خير
منه ..الخ) الحديث والذي ذُكر آنفاً حيث أن الله يكون مع الذاكر والذاكر مع
أهل الذكر وهم الصوفية فإنهم يُذكّروه بذكر الله تعالى لأن الله تعالى
يقول: [أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه] وهو ما رواه أبو هريرة رضي
الله عنه آنفاً.
وبعد أن فسرنا الحديث فأقول أنه لا يجوز لأي كان أن يقول عن الحديث "حديث
مزعوم" لأن الحديث الضعيف ليس بذاته ولكن في رواته أي ليس أن يكون نفس
الحديث ضعيفاً ولكن رواته في أحدهم ضعف في السند وليس معناه أنه لا يؤخذ
بالحديث الضعيف بل يؤخذ به ومن صَدّقه أخذ به وإلا تركه ولا يُكذبه. وقد
ضرب لنا أروع الأمثلة الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما
قال له أهل قريش عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء
والمعراج: إن صاحبك يزعم أنه جاء في هذه الليلة من مكة إلى بيت المقدس.
فقال: والله لئن قال ذلك لقد صدق فوالله إنه ليخبرني بالخبر يأتي إليه من
السماء إلى الأرض في ساعة واحدة من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أبعد مما
تعجبون. ولم يقل هذا حديث مزعوم أو من الإسرائيليات. هذا هو الإسلام المسلم
إذا قال صَدَق وإذا قيل صُدِّق. فأما الحديث (من أراد أن يجلس مع الله
فليجلس مع أهل التصوف) فهو في كتاب نزهة المجالس ومنتخب النفائس للعالم
الشيخ عبد الرحمن الصفوري الشافعي تغمده الله برحمته الجزء الأول ص76.
أما القصة الأخرى التي مر فيها عيسى عليه السلام بقوم يعبدون الله فسألهم
عن عبادتهم فقالوا: نرجو الجنة ونخاف من النار فقال: مخلوقاً رجوتم
ومخلوقاً خفتم، ثم مر بآخرين فسألهم عن عبادتهم فقالوا: نعبده حباً له
وتعظيماً لحاله فقال: أنتم أولياء الله أُمرت أن أكون معكم. ففي كتاب نزهة
المجالس ومنتخب النفائس. وقال بعضهم في قوله تعالى: " فَمِنْهُمْ
ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ " أي يعبده للدنيا " وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ
" أي يعبده للآخرة " وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ " أي يعبده
لوجهه الكريم. نزهة المجالس ج1 ص65.
واعلم أنه قوله تعالى: " أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ " 62 سورة يونس. فموسى عليه السلام
لم يعلم ما علمه الخضر عليه السلام فموسى عليه السلام وهو نبي الله ورسوله
وكليمه ومن الأربعة أولي العزم لم يستطع الصبر مع الخضر عليه السلام فاعترض
على كل عمل قام به الخضر عليه السلام " قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي
وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ
صَبْرًا " 78 سورة الكهف. لأن الله تعالى آتاه علماً لم يعرفه نبي الله
ورسوله وكليمه موسى عليه السلام في عصره. وكما جاء في صحيح البخاري عن أبي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى: من عادى
لي ولياً فقد بارزني بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت
عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي
يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن
سألني لأعطينه ولئن دعاني لأجيبنه ولئن استعاذ بي لأعيذنه وما ترددت في شيء
أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له
منه. ابن كثير ج2 ص579. ومعنى من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب أي من
خاصم أو أغضب أو عادى ولياً لله تعالى فبذلك يكون قد تحدى الله سبحانه
وأراد منه المبارزة والله تعالى حربه أليم شديد ولا يعلم من أي جهة يأتيه
فحرب الله بالأمراض أو بمحق أمواله أو قتل ذريته أو تسليط الهموم والأحزان
عليه أو ضربه بالفقر أو تسليط أنواع المصائب عليه فحرب الله شديد وأليم.
وختم تعليقه على مقال " الغزل الصوفي " بقوله:
وختاماً أُذكر أخي أبو أحمد بقول الله تعالى: " وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ
أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً " 36 سورة الإسراء.
وبالله وبتوفيقه أيضاً أختم قولي بقوله تعالى: " وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي
عِلْمًا " اللهم زدني علماً وفقهني في الدين وعلمني التأويل اللهم
آمين.
أبو أحمد العبادلة
|