توضيح لمقالة الغزل الصوفي (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

توضيح لمقالة الغزل الصوفي

نشرت الاتحاد على صفحة " رأي الناس " موضوعاً بعنوان " الغزل الصوفي " في العدد الصادر بتاريخ 5 من أكتوبر 1984 وقد أثار ردوداً كثيرة نُشر منها رد بعنوان " تعليقا على الغزل الصوفي " بتاريخ 24 من أكتوبر كما نُشر أيضاً رد بتاريخ 2 من نوفمبر بعنوان " رد على مقالة الغزل الصوفي "

وبناء على ذلك قام أبو أحمد العبادلة كاتب الموضوع الأصلي " الغزل الصوفي " بالرد على الأول منهما قائلاً:

أما قوله:

لنبدأ بالعنوان " الغزل الصوفي " ونتساءل مع من هذا الغزل فإن كان بين رجل وامرأة فالأمر معقول.

فهذا يدل على أنه لم يدرس الموضوع بعناية وقد تسرع في رده حيث أن مقالي كان رداً على برنامج في تلفزيون أبوظبي البرنامج العام اسمه [ الغزل الصوفي ] ومطلع مقالي حرفياً: ((اطلعت على برنامج ( الغزل الصوفي ) في تلفزيون أبوظبي البرنامج العام لعدة حلقات متتالية)).

وأما قوله:

وقس على هذا ما جاء به كاتب المقال من مفردات غرامية أخرى كالهيام والوجدان والتي لا تكون إلا بين رجل وامرأة.

وأما قوله "وقس على هذا" وكأن ردي على اسم البرنامج الذي كان يبث من تلفزيون أبوظبي وكأنه موضوع كبير سابق وكله أخطاء ليوهم القارئ بأنه لم يتكلم على العنوان فقط بل عن أخطاء كثيرة سابقة لم يطلع عليها القارئ.

وأما قولي ما نصه: ((ومن الناس من يصفهم بالجنون لأنهم هاموا في حب الله تعالى من شدة الوجد ومن شدة الشوق إليه)) ولكن بقراءة الفقرة مرة ثانية نجد أنه قد فسرته في الفقرة نفسها بقولي ((هاموا في حب الله تعالى)) وليس الهيام أنه بين رجل وامرأة كما يدّعي في تعليقه لأنه عندها يكون حباً دنيوياً وشهوانياً وحب شهوات وملذات ولكن الهيام في حب الله تعالى هو أشد أنواع الحب لله تعالى جل جلاله وعلى ذلك شاهد قوله تعالى: " وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ " الآية 165 سورة البقرة.

وأما سياق قصة مجنون الشبلي الذي كان يرجمه الصبية بالحجارة فلا تزعم إطلاقاً بأن المجنون رأى ربه ببصره كما ادعيت وكما أوردتَ آيات قرآنية عن موسى عليه السلام بأنه لم ير ربه وأنا لم أقل ذلك إطلاقاً ولكنه رآه ببصيرته وبقلبه وبيت الشعر الذي قاله مجنون الشبلي دليل على ذلك.

عفواً سأشرح بيته الذي لم يفهمه الأخ المعترض حيث يقول البيت:

                    جَمالُك في عيني وذكرك في فمي

 وحبك في قلبي فأين تغيب ؟

فأما قوله " جَمالك في عيني " .. أي أرى جَمال مخلوقاتك بعيني المجردة من سماء وأرض وشمس وقمر ونجوم وكواكب وأشجار وبحار وأنهار وحيوانات وطيور وبراري وقفار لأنه بديع السموات والأرض.

وأما " ذكرك في فمي " .. فهو أخذ بقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42) " سورة الأحزاب.

وذكر عبد الله بن بسر أن رجلاً قال: يا رسول الله إن شرائع الإيمان قد كثرت عليّ فأخبرني بشيء أتشبث به قال: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله تعالى). رواه الترمذي وقال حديث حسن.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه). أخرجه ابن ماجه وصححه ابن حبان وذكره البخاري تعليقاً وهو في البخاري بلفظ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).

وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله) أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني بإسناد حسن.

وأخرج الترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء مرفوعاً: (ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم. قالوا بلى. قال: ذكر الله). سبل السلام.

وأما قوله " وحبك في قلبي " فهو مصداق لقوله تعالى: " وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ " الآية 165 سورة البقرة.

وأما قوله " فأين تغيب " فهذه هي درجة الإحسان وهي أعلى المراتب وهي أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك وعلى ذلك شاهد الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب من حديث سؤال جبريل عليه السلام للنبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه فصار يسأله ويصدقه .."الحديث" حتى قال: فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .. الخ. قال ثم انطلق فلبثت ملياً ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم. رواه مسلم. وهذه هي درجة الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

وبناءً على ما تقدم من أدلة دامغة وصحيحة بالآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة فإنه لابد أن أشير هنا إلى طريقة التعليق فكاتب التعليق يحرف الكلم عن مواضعه كما جاء في تعليقه السابق واللاحق فهو إما يريد بذلك التشهير بغيره أو إيهام القارئ بأن كاتب المقال لا يفقه شيئاً في الدين. والغرور ليس شيمة الرجل المسلم وكذلك ليس فيه من التناصح شيء وخاصة بأنه ينتقي كلمات من الفقرة ويحذف باقيها متعمداً ويؤولها على غير حقيقتها ليوهم القارئ بأن الكاتب هو الذي قال ذلك أو يأخذ معناها كما يتراءى له ويدع معناها الحقيقي.

ويجب أن يكون المسلم أميناً وصادقاً مع نفسه ومع غيره. حيث يستمر في تعليقه بقوله:

يسوق الكاتب قصة الرجل مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أجود ما فيها أن شهادة أن محمداً رسول الله شهادة زور وتنتهي القصة السمجة بأن عمر حاشاه قد فرح بقصته وسر منه بعد تأويلها له.

والقصة كما أوردتها في مقالي حرفياً:

((جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: يا أمير المؤمنين أنا أكره الحق وأشهد الزور وأهرب من رحمة الله وآكل الميتة ولي في الأرض ما ليس لله في السماء. فغضب عمر منه وأراد أن يقيم عليه الحد. فقال: يا عمر أنا أكره الحق أي أكره الموت ، وأشهد الزور .. أشهد أن محمداً رسول الله ولم أره ، وأهرب من رحمة الله أي أهرب من المطر ، وآكل الميتة لأن الله تعالى أحل لنا ميتتين السمك والجراد. ولي في الأرض ما ليس لله في السماء .. لي زوجة وأولاد وليس له ذلك)).

أما تفسيرها فهو:

" أكره الحق ": أي أكره الموت. فالموت حق علينا وكلنا نكرهه كما قال تعالى: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ " 243 - سورة البقرة.

" وأشهد الزور ": أشهد أن محمداً رسول الله ولم أره. معنى شهادة الزور عموماً أن تشهد على شيء لم تره بعينك المجردة ولكنها في ذاتها شهادة حق وليس معناها إطلاقاً أنه لم يصدق بها ولكنه يعني أنه قد ولد بعد أن انتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى أي أنه من التابعين ولم يشاهد النبي محمداً صلى الله عليه وسلم في حياته.

وأما قوله " أهرب من رحمة الله ": أي أهرب من المطر. فهو رحمة من الله تعالى لعباده فيخرج به نبات الأرض تأكله الطير والحيوانات والمواشي والناس يأكلون من ثمارها ومن الفواكه والخضراوات. وكلنا يهرب من المطر خوفاً أن يبتل جسمه أو ملابسه أو تأخذه لفحة برد تجعله طريح فراشه.

و " آكل الميتة ": لأن الله أحل لنا ميتتين السمك والجراد كما جاء في الحديث: (أُحل لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد ، والكبد والطحال). أخرجه أحمد والدارقطني مرفوعاً من حديث ابن عمر (سبل السلام الجزء الرابع ص76).

وأما قوله " ولي في الأرض ما ليس لله في السماء ": أي لي زوجة وأولاد وليس له ذلك كما قال تعالى: " لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ".

وأما سرور عمر بن الخطاب من قائلها لأنه يدل على ذكاء قائلها وعلى فصاحته وهذه صفة من صفات العرب وهي الذكاء والفصاحة وأنه فيها تورية.

وأما قوله في تعليقه:

وتنتهي القصة السمجة بأن عمر حاشاه قد فرح بقصته وسر منه بعد تأويلها له.

أما أنها قصة سمجه فهذا رأيه الشخصي ولكن أحب أن أُذكّره بالحديث الذي رواه الترمذي من حديث ابن مسعود رفعه: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء). وحسنه وصححه الحاكم (سبل السلام ج4 ص198). وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبغض الفاحش البذيء). أخرجه الترمذي وصححه (سبل السلام ج4 ص198).

وأُذَكّر بأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يمزح وكان في كلامه تورية .. فجاءته ذات يوم امرأة عجوز فقال: (إن الجنة لا تدخلها عجوز) فجعلت تبكي فقالت عائشة رضي الله عنها: (أحزنتها) فقرأ عليه السلام " إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا " أي تدخله وهي بكر وكذلك وهي صغيرة في السن. فَسُرّت بذلك. (تنبيه الغافلين ص148). وقال لامرأة أخرى: (أزوجك الذي في عينيه بياض) قالت: لا يا رسول الله. قال: بل كل إنسان في عينيه بياض. أي الذي حول سواد بؤبؤ العين. (تنبيه الغافلين ص148). ورُوي عن أنس أن رجلاً استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إني حاملك على ولد الناقة). فقال: ما أصنع بولد الناقة؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وهل تلد الإبل إلا النوق). (تنبيه الغافلين ص148).

ورُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً).

هذا وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

أبو أحمد العبادلة

 



2011 © تصميم: م. محمود شكيب العبادلة

Last update: Thursday, July 07, 2011