بسم الله الرحمن الرحيم
الغزل الصوفي
اطلعت على برنامج ( الغزل الصوفي ) في تلفزيون أبوظبي البرنامج العام لعدة
حلقات متتالية. فالغزل الصوفي كما فسره الأساتذة الأفاضل عند تقديم
البرنامج المذكور هو المحبة في الله تعالى وفي ذات الله .. ولكن بعضهم
اعترض على الصوفية بأن لهم شطحات !!
وأقول لهم نعم لأنهم عرفوا الله فأحبوه ولما زاد وطفح بهم الكيل ظهر على
شفاهم فكلهم تغزل في صفات الله والصوفية ينظرون بمنظار الحب الحقيقي حب
المُشاهِد وفي ألغازهم وإشاراتهم مدلول على تساميهم وعلى أرواحهم الشفافة
فهم لم يبتعدوا عن الشرع ومن الناس من يصفهم بالجنون لأنهم هاموا في حب
الله تعالى من شدة الوجد ومن شدة الشوق إليه.
وإليكم هذه القصة شاهداً على ذلك:
قال الشبلي رضي الله عنه: رأيت صبياناً يرجمون مجنوناً فسألتهم فقالوا:
يزعم أنه يرى ربه فدنوت منه وإذا هو يرمق ببصره نحو السماء ويقول: يا مولاي
أجميل منك تسلط عليّ هؤلاء الصبيان. فقلت له: تزعم أنك ترى ربك ؟ فقال: وحق
من تيمني بحبه وهيمني بقربه لو احتجب عني طرفة عين لتقطعتُ من ألم البين.
ثم تولى وهو يقول:
جَمالُك في عيني وذكرك في فمي .. وحبك في قلبي فأين تغيب ؟
وفي المسند مرفوعاً قال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر الله تعالى حتى
يُقال مجنون).
ومن الناس من يصفهم بالزندقة أو الإلحاد لأنهم يقولون قولاً لم يُفهم لديهم
وهذا ليس بحجة عليهم بل حجة لهم .. وقد جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله
عنه وقال: يا أمير المؤمنين أنا أكره الحق وأشهد الزور وأهرب من رحمة الله
وآكل الميتة ولي في الأرض ما ليس لله في السماء. فغضب عمر منه وأراد أن
يقيم عليه الحد. فقال: يا عمر أنا أكره الحق أي أكره الموت ، وأشهد الزور
.. أشهد أن محمداً رسول الله ولم أره ، وأهرب من رحمة الله أي أهرب من
المطر ، وآكل الميتة لأن الله تعالى أحل لنا ميتتين السمك والجراد. ولي في
الأرض ما ليس لله في السماء .. لي زوجة وأولاد وليس له ذلك. ففرح عمر بن
الخطاب وسر منه ومن مقولته.
وقد وصفهم الشبلي رضي الله عنه فأجاد وصفهم حيث قال: [ الصوفي من لبس الصوف
على الصفا وسلك طريق المصطفى وكانت الدنيا عنده خلف القفا ].
وقد حث الله تعالى على مجالستهم بقوله تعالى: " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " [الكهف:28].
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن يجلس مع الله فليجلس مع
أهل التصوف).
وقد مر عيسى عليه السلام بقوم يعبدون الله فسألهم عن عبادتهم فقالوا: نرجو
الجنة ونخاف من النار فقال: مخلوقاً رجوتم ومخلوقاً خفتم، ثم مر بآخرين
فسألهم عن عبادتهم فقالوا: نعبده حباً له وتعظيماً لحاله فقال: أنتم أولياء
الله أُمرت أن أكون معكم.
أبو أحمد العبادلة
|